تعتبر
ثورة المعلومات ووسائل الاتصال عصب ومركز التحولات الكبرى التي تسم عصرنا الحالي.
وهي تحمل سمات ما أصبحنا نطلق عليه اليوم اسم العولمة، إن لم تكن شعارها المركزي. إننا
إزاء انقلاب عميق وجذري وشامل يتم بإيقاع جارف. وانطلاقا من الوعي بأهمية ومدى هذه
الظاهرة، نظمت الأمم المتحدة سنة 2005 قمة عالمية عن مجتمع المعلومات، وذلك بهدف
التفكير بشكل جماعي فيما يمكن أن يجسد «الحكامة الجديدة للقرن الحادي والعشرين».
وقد تم إقرار الاحتفاء سنويا في السابع عشر من أبريل بيوم مخصص للتذكير بهذه
الأهداف. بيد أن هذه القمة عرفت نقاشا صاخبا دار بالأخص على هامش الأشغال الرسمية
حول القضايا ذات الطابع الاستراتيجي لتطور العلاقات في صميم مجتمع المعلومات. كما
عبرت شرائح واسعة من الرأي العام عن آراء نقدية حيال ما يبدو بمثابة أساس
للأطروحات المهيمنة داخل مجتمع المعلومات الجديد. فهذا الأخير أصبح خاضعا لهيمنة
الثلاثي المكون من «السوق والتنظيم والقيم». فقد غدت الدول مطالبة بتشجيع
المنافسة، وتوفير شروط استثمار القطاع الخاص الذي أصبح مطالبا «بتطوير البنيات
التحتية والمضامين...». أما المجتمع المدني فقد أصبح في هذه الخطاطة محصورا في
وظيفة المكمِّل أو في أحسن الأحوال لسد ثغرة الوضعية العالمية الجديدة. غير أن
التطورات التي عرفتها السنوات الأخيرة قد مكنت مع ذلك من الدفع بالنقاش إلى حدود
أبعد، خاصة مع ما تقدمه الثورة الرقمية ومبادرات المجتمع المدني الدولي. وهكذا،
فإننا نجد أنفسنا اليوم في وضعية غريبة تتمثل في ما يلي: ففي الوقت الذي أصبحت فيه
وسائل الاتصال أكثر فأكثر في ملك الخواص، ومتركزة بين أيدي بعض المجموعات التي
تكاد تحتكرها، وذلك تحت تأثير إيديولوجيا نيوليبرالية، في ذلك الوقت، بالمقابل،
أصبحت الآليات الجديدة لتكنولوجيا التواصل الجماهير تتكفل ديمقراطيا بالكلمة
المدنية. لقد تبلورت إزاء الوسائط المهيمنة البالغة التطور شبكة بديلة لتداول
المعلومات ترتكز على إعلام جديد يعتبر الأنترنيت والهاتف النقال وغيرهما أدواته الرئيسية.
إننا بالمغرب نوجد اليوم في قلب التحولات المومأ إليها. والأحداث الراهنة التي
يعيشها بلدنا غنية بالمعطيات التي تؤكد على جنينية نوعية مغربية من مجتمع
المعلومات (قناص الصور بتاركيست، أحداث سيدي إيفني...). تمنحنا حالة المغرب مع ذلك
العديد من الخصوصيات بالنظر إلى تجربة البلدان العربية الأخرى. فالمشهد السمعي
البصري المغربي يعيش حاليا دينامية كبرى تمس السينما في المقام الأول، والتلفزيون
والإذاعة في المقام الثاني. كما أن الوسائط الجديدة تعرف شغفا وإقبالا كبيرين
عليها من قِبل الشباب. يمكننا القول، من منظور الإشكالية المطروحة في ندوتنا هذه،
إن السينما والتلفزيون بالمغرب يقدمان لنا خطاطة جديدة ومبتكرة original يمكننا أن
نلخصها كما يلي: لقد ولدت السينما على هامش الدولة، في الوقت الذي ولد فيه
التلفزيون في حضنها ويسعى بالمقابل أن يتطور ضدها أو على الأقل أن يتحرر منها. لقد
ظل هم السياسة العمومية في مجال تداول الصور يتمثل في التحكم المطلق في التلفزيون
باعتباره امتدادا للأدوات الحكومية لتدبير العلاقة مع المجتمع. ففي الوقت الذي تم
فيه إهمال السينما وتركها لحالها، ظل التلفزيون، عبر نشرة الأخبار، يعبر عن تلك
النظرة الأحادية للتواصل. وظل المجتمع يحس بنفسه مقصىً من هذه العملية، ولهذا لن
يتأخر في إبداء رد فعله على هذه الوضعية. لقد عرفت نهاية الثمانينيات حصول شرخ سوف
يتخلخل معه هذا التحكم الحكومي في التواصل، وهو يتمثل في إطلاق القناة التلفزيونية
الثانية التي أدخلت بشكل مبكر طريقة جديدة في معالجة المعلومات، خاصة ما يتعلق
منها بتناول الوقائع المجتمعية. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هناك حدثين أساسيين سوف
يخلخلان تلك الخطاطة الجامدة منذ زمن: إصدار مرسوم تحرير القطاع السمعي البصري،
الذي وضع حدا لاحتكار الدول لهذا المجال (مرسوم 2002)، وصدور ظهير غشت 2002 الذي
أقر إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. وبذلك يكون المغرب قد أعلن
انضمامه لمجموعة الدول التي تمتلك نظاما سمعيا بصريا مفتوحا. والصفحة الرئيسية
لموقع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري معبرة في هذا المضمار، ويمكننا أن نقرأ
فيها ما يلي:
* قرار المجلس الأعلى للاتصال السمعي
البصري بشأن شكاية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ضد الشركة الوطنية للإذاعة
والتلفزيون.
* إطلاق الجيل الثاني من التراخيص
التلفزية والإذاعية.
* وقف بث الوصلة الإشهارية «ميديتيل». * عقوبة
بشأن شركة «سماحة ميديا».
* الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري
تصدر تقريرها المتعلق بالتعددية خارج الفترات الانتخابية.
ومن المفيد بهذا الصدد أن نطلع على ما صرحت به الهيئة العليا
للسمعي البصري بخصوص شكاية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان النشيطة في مجال حقوق
الإنسان: « أصدر المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، بتاريخ 28 ماي 2008، قراره
رقم 08-19 بناء على الشكاية التي تقدمت بها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتاريخ
22 أبريل 2008 ضد الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بخصوص نقل القناة الأولى
لتصريحات وزير الداخلية خلال الندوة الصحفية المنظمة يوم 20 فبراير 2008 . وصرح
المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري بأن نقل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة
للتصريحات المذكورة يدخل ضمن الالتزامات القانونية للمتعهد، وبالتالي فالشركة
الوطنية للإذاعة والتلفزة ليست مسؤولة قانونيا عن مضامين التصريحات التي أدلى بها
وزير الداخلية خلال الندوة الصحافية موضوع الشكاية». بعبارة أخرى، إننا أمام هيئة
تحكيمية لها حرية التعبير عن نظرة المجتمع ووجهة نظره في مجال تدبير المشهد السمعي
البصري. وما نتج عن ذلك اليوم هو انفتاح يتمحور حول قطب عمومي ينتظر منه أن يلعب
دور محفز لمجموع المشهد السمعي البصري. إن مقياس هذا التطور يظل هو نشرة الأخبار،
فهي اليوم المجال المركزي الذي ترتسم فيه معالم علاقات القوة بين المجتمع المدني
والسلطة السياسية. من ثم فإن تاريخ تحرر التلفزيون العمومي يمكن أن يقرأ في شاشة conducteur نشرة
الأخبار.
لكن
حالة السينما المغربية تتطلب منا تحليلا مغايرا. فقد شدَّدنا على أنها ولدت بعيدا
عن الاحتراف، بل بعيدا عن اهتمامات الدولة، على عكس التلفزيون الذي كان الوسيط
الرسمي لها. والمحاولات الوحيدة التي قامت بها الدولة في هذا المضمار في نهاية
الستينيات لم تسفر عن أي نتيجة تذكر. إنها مأساة السينما المغربية في مجال الإنتاج
والوسائل، غير أنها أيضا وبشكل ما حظها السعيد، باعتبار أننا بالمغرب لم نعرف أبدا
سينما رسمية، أي «سينما القطاع العام» كما هو الحال في العديد من الدول العربية
الأخرى. إن المغرب يقدم اليوم عن نفسه صورة بلد تتطور فيه السينما باطراد وتعيش
فيه وضعية جديدة قي مجال الإنتاج كما في مجال التجدد والاستمرارية، وذلك بدخول
الأجيال الجديدة لمضمار الإبداع السينمائي. وذلك بالضبط ما نسميه دينامية السينما
المغربية. فما هي خصائصها الرئيسية؟ وما هي أسباب تلك الحركية؟ يمكننا وصف تلك
الدينامية بخطاطة ذات مستويين: وصف الخصائص التي تمكننا من الحديث عن دينامية في
مجال السينما بالمغرب، ومستوى ثان نسعى من خلاله إلى تفسير هذه الدينامية. يتجلى
هذه الدينامية في ثلاثة مظاهر على الأقل: الانتظام؛ والعيانية؛ والتنوع. الانتظام:
تعرف السينما منذ عدة سنوات إيقاعا في النمو منتظما ومطردا، بحيث إنها تنتج ما بين
اثني عشر وخمسة عشر فيلما روائيا. وهو أمر يندرج ضمن استراتيجية المركز السينمائي
المغربي الهادفة إلى أن يبلغ المغرب في أفق 2012 إنتاج معدل 28 فيلما روائيا
سنويا. وتشمل هذه السياسة الانفراجية أيضا الأفلام القصيرة. ففي 2006 بلغ الإنتاج
أوجه بسبعين فيلما قصيرا... وهكذا ولى الزمن الذي كان معدل الإصدارات الفيلمية فيه
لا يتجاوز فيلما واحدا والنصف سنويا، والذي كان فيه المغرب في مؤخرة البلدان
المغاربية والإفريقية! فها هو يصبح اليوم في الصدارة إن مغاربيا وإن عربيا. ويعتبر
المهرجان الوطني للفيلم أكبر تظاهرة سينمائية مكرسة حصرا للسينما الغربية، وهو
بذلك المقابل للـ«سيزار» بفرنسا وجوائز «الغويا» بإسبانيا. وبما أنه يعكس بتطوره
الملحوظ هذه الوضعية الجديدة، فقد تفضل صاحب الجلالة بإعطاء موافقته لتنظيمه
سنويا. العيانية: لقد أصبح هذا الإنتاج المنتظم واضحا للعيان أكثر فأكثر. فالفيلم
المغربي بات يشاهد أولا وقبل كل شيء في عُقْر داره. وهو معطى أساسي يعتبر منعطفا
حقيقيا في التاريخ اليافع للسينما المغربية. فمنذ ثلاث سنوات، والفيلم المغربي
يحتل المواقع الأولى في شباك التذاكر. ففي 2006 مثلا حظي «ماروك»، أول فيلم روائي
للمخرجة السينمائية الشابة ليلى المراكشي، بمركز الصدارة متجاوزا فيلمين مغربيين
آخرين هما السمفونية المغربية لكمال كمال، والأجنحة المتكسرة لمجيد رشيش... وفي
2007، كان فيلم أحمد بولان، ملائكة الشيطان الأول في شباك التذاكر. وهكذا أصبحت
الحصة التي يحظى بها الفيلم المغربي في السوق السينمائي مشرِّفة أكثر بحيث بلغت 15
بالمائة. إنها أيضا سينما تحظى بالعيانية في الخارج، وخاصة في المهرجانات الدولية،
بحيث لا يمر شهر من غير أن تكون السينما المغربية ضيفا عليها من خلال عروض
استعادية أو برنامج خاص أو بانوراما. وباعتبار أن المغرب أصبح رمزا لهذا الانفتاح
الدولي، فقد كان في مُفْتَتح الشعبة section الجديدة التي دُشنت في 2005
بمهرجان كان بعنوان «سينمات العالم كلها». كما أن المغرب دخل سنة 2006 للقرية
الدولية بمهرجان كان بافتتاحه لجناحٍ لاقى نجاحا مشرِّفا. التنوع: حيثما حلت هذه
السينما وارتحلت وعُرضت، تفرض ملاحظة نفسها: تتمتع هذه السينما المغربية بتنوع
كبير في المواضيع والمقاربات الجمالية. إنه تنوع يعكس تمازجا يكشف عن مَقْدم شباب
سينمائيين، متخرجين من المدارس المتخصصة وآتين من المهاجر... إنهم المحرك الرئيسي
لتلك الدينامية. كيف بلغنا هذا المبلغ؟ ما الذي يمكن أن يفسرنا هذه الدينامية؟
لأقدِّمْ لكم تفسيرا يقوم على ثلاثة عوامل: وجود تقليد عشقٍ للسينما يجعل من
السينما أولا وقبل كل شيء ممارسة ثقافية نابعة من المجتمع المدني. إنه تقليد عرف
أوجه في السبعينيات من القرن الماضي خاصة مع حركة الأندية السينمائية التي أوصلت
الثقافة السينمائية إلى أقاصي البلاد. وهي حركة أفرزت وجوها مرموقة في ميادين
التنشيط والنقد السينمائي. وجود جيل من السينمائيين الرواد قاوموا السنوات العجاف
ومكنوا السينما من أن تظل أفقا احترافيا ممكنا. وهم الذين ضمنوا للسينما تجذرا
ممكنا في فضائنا الثقافي. فمنذ ستينيات القرن الماضي راح شباب مثقف لدراسة السينما
بباريس ولودز وموسكو وغيرها. وعادوا للدفاع عن سينما متآلفة مع طموحات بلادهم. وهم
الذين حققوا انطلاق الأفلام المؤسسية الأولى، وأنتجوا أولى أعمالهم التخييلية في
الغالب في ظروف صعبة، غير أنها أفلام أضحت اليوم مرجعيات للأجيال الجديدة. توفر
إرادة حقيقية اليوم للنهوض بالسينما، وهو ما كان في عداد المستحيل سابقا. وهذه
الإرادة التي يعبر عنها صندوق الدعم السينمائي، والتي أصبحت سنة 2004، تسبيقا على
المداخيل، التي بلغ مجموع رصيدها اليوم 60 مليون درهم. بل بلغنا أن الرقم سيصل إلى
70 مليون درهم في السنة القادمة والمدى القريب، بحيث يمكننا أن نتوقع لا محالة
تجاوز الحد الرمزي للمائة مليون درهم ! وتسهر على توزيع الدعم لجنة مستقلة عن
السلطات العمومية، تتخذ قراراتها بحرية كاملة. وهي معينة لمدة سنتين وتجتمع ثلاث
مرات في السنة. وتترأسها شخصية من المجتمع المدني (فقد تم تعيين بنسالم حميش خلفا
لأحمد بوكوس...). إن مجموع هذه العناصر يشكل اليوم مناخا ملائما لانبثاق صناعة
سينمائية فعلية تكون ليس فقط اختيارا مشروعا وإنما موثوقا به. أما الحماس الذي
قابل به الشباب مهن السينما فيظل ضمانة للمستقبل. فنحن نلحظ فعلا إقبالا كبيرا
للشباب على مهن السينما؛ وهو ما يجعل من قضية التكوين أحد النقط الجوهرية في
المهام المنوطة بالسنوات المقبلة. يعود ذلك الإقبال وهذا الاهتمام العمومي
والثقافي بالسينما أساسا إلى المكانة الجديدة التي اكتسبتها السينما في الإنتاج
الفني. ويمكننا أن نؤكد يقينا أن السينما تمثل اليوم الشكل التعبيري الأول للمتخيل
الجماعي للمجتمع المغربي. فقد أضحى الجمهور المغربي يتآلف مع الإنتاجات السينمائية
المحلية، ملاقيا باستمرار سُنَنا وصورا ووجوها متواترة تجعله وفيا لتلك السينما
انطلاقا من عَقْد تواصل سردي وجمالي بيِّنَيْن. فالسينما المغرب لم تعد مفهوما،
ولم تبق مجرد تجريد. إنها أصبحت حاملا تعبيريا له تصوراته للمجتمع المغربي
المصحوبة أيضا باكتشاف متعة الحكاية. فعلى غرار السينمات العتيدة، تقيم السينما
المغربية نجاحها على أساس تشكيل بعض القوالب الجاهزة التي تضمن للجمهور عناصر
استدلالية، وتمكنه من «اللقاء» بصورته حول مواضيع وأمكنة معينة أو فقط حول صور
استدلالية محسوسة. وهكذا، ثمة سينما شعبية لا تتردد في استلهام موضوعاتها من
الوقائع الراهنة، بحيث ترسم محاور كبرى للدلالة ينهض عليها توافق اجتماعي، كوضعية
المرأة، والهجرة السرية مثلا. فهناك اتجاه في السينما المغربية يقوم على ما يمكن
تسميته بسيناريو القرب، حيث تشكل عناصر الواقع اليومي لحمة النسيج السردي (أفلام
محمد اسماعيل، حسن بنجلون، سعد الشرايبي، حكيم النوري...). إنه اتجاه اجتماعي لا
يتردد في التناول المباشر لبعض المواضيع الخاضعة للنقاش، كما كان الحال مع الأفلام
التي عالجت سنوات القمع السياسي في سبعينيات القرن الماضي. بل يمنكننا القول بهذا
الصدد بأن السينما قد لعبت دورا رياديا، وذلك بمقاربات متباينة لقضية الذاكرة:
فالغرفة السوداء لحسن بنجلون اقتباسٌ درامي للسيرة الذاتية لمعتقل سياسي سابق، في
الوقت الذي لعب فيه فيلم الجيلالي فرحاتي على الالتباس بجعل شخصية معتقل سابق فاقد
للذاكرة في قلب حكايته السينمائية. وهو إذ يخرج من السجن يبدأ بالبحث عن ذاكرته
المكبوتة، على غرار مجتمع بكامله يسعى لامتلاك مصيره. إن الاتجاه السائد يمكننا من
حصر عناصر الثبات الجمالي في ثلاثة ثوابت قد تساعدنا في رسم ملامح السينما
المغربية المعاصرة: انبثاق صورة الممثل، بحيث إن السينما المغربية أصبح لها
نجومها، وممثلوها الشعبيون الذين أضْحوا أيضا عبارة عن توجه للتسويق؛ ووضعية
اعتبارية جديدة للسيناريو، بحيث إن الكتابة للسينما استعادت كامل أهميتها التي
تتجلى اليوم في دعم تطوير السيناريو. رجحان المشهد على حساب اللقطة كمبدأ للكتابة
السينمائية بحيث إن إخراج الأفلام نفسه بدأ يعرف التحول. فإذا كانت سينما
السبعينيات تتسم بالتركيز على اللقطة، فإن السينما التي حققت منعطفَ التسعينيات قد
راهنت على المقاطع السردية الأطول، وعلى المشهد باعتباره وحدة أساسية للحكاية.
وهكذا أصبحنا أمام نظام للمقروئية تعِد بالكثير من العيانية. لكن، كما شدَّدت على
ذلك آنفا، ليست السينما المغربية بناء أحاديا، فغناها يتمثل في تنوعها. فبجانب
سينما «السيناريو» التي تسعى إلى توجيه تلقي الفيلم، تطورت سينما مغايرة تندرج في
استراتيجية التجاوز للقوالب الجاهزة، وتقترح التعامل مع أمكنة جديدة (ياسمين
القصاري، اسماعيل فروخي...)، وتشتغل على وجهات مغايرة لإدراك الواقع، وبالأخص على
إعادة بناء الحكاية الفيلمية، وتركز على علاقة جديدة بالتخييل المطعَّم بجمالية
التسجيلي (داود اولاد السيد...)، أو على نظرة موسومة بعشق السينما (فوزي بنسعيدي).
2010 juillet
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire